من الثوابت ان الكتاب المعروف باسم انجيل برنابا لا يمت الى المسيحية بصلة . وانما هو شهادة زور على الإنجيل المقدس ، ومحاولة تشويش على الدين المسيحي . مثله كالقرآن الذي كتبه مسليمة الكذاب ، أو القرآن الذي ألفه الفضل بن ربيع . وهذا الكتاب المنسوب الى برنابا نقله الى العربية الدكتور خليل سعادة عن نسخة الانكليزية سنة 1907 ، وذلك بايعاز من السيد محمد رشيد رضا ، منشئ مجلة المنار . فرفضه المسيحيون رفضاً باتاً ، لأنه كتاب مزيف .
اما الذين قبلوه فهم فريق من المسلمين ، لسبب بسيط جداً ، وهو ان بعض محتوياته تؤكد القول بأن المسيح لم يصلب ، بل القى شبهه على يهوذا الاسخريوطي فصلب بديلاً عنه .
ويجمع العلماء المدققون على ان هذا الكتاب المزور على برنابا ، لم يكن موجوداً قبل القرن الخامس عشر ، أي بعد موت برنابا بألف وخمسماية عام . ولو وجد قبلاً لما اختلف فقهاء المسلمين كالطبري والبيضاوي وابن كثير ، وفخر الدين الرازي في آخرة المسيح ، وفي تحديد الشخص الذي قيل انه صلب عوضاً عن المسيح . بل كانوا اجمعوا على ان الذي صلب هو يهوذا الاسخريوطي.
ولو عدنا الى المؤلفات الاسلامية المعتبرة ، كمروج الذهب للمسعودي . والبداية والنهاية للامام عماد الدين ، والقول الابريزي للعلامة احمد المقريزي ، نرى ان هؤلاء الاعلام سجلوا في كتبهم ان انجيل المسيحيين انما هو الذي كتب بواسطة اصحاب الاناجيل الأربعة ، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا . ومما قاله المسعودي : (وذكرنا اسماء الاثني عشر والسبعين ، تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد واخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم . وان اصحاب الأناجيل الاربعة منهم يوحنا ومتى من الاثني عشر ولوقا ومرقس من السبعين) . التنبيه والاشراف صفحة 136 .
وكذلك لو عدنا الى مخطوطات الكتاب المقدس القديمة والتي يرجع تاريخ نسخها الى ما قبل الاسلام ، وقد اشار القرآن اليها وشهد بصحتها ، لا نجد فيها هذا الإنجيل المنسوب الى برنابا . كما انه لا يوجد له أي ذكر في الجداول ، التي نظمها آباء الكنيسة ، للأسفار التي يتألف منها الكتاب المقدس .
ثم لو بحثنا في التاريخ نجد ان النسخة الاصلية لهذا الانجيل المنحول ظهرت لأول مرة عام 1709 وذلك لدى كريمر مستشار ملك بروسيا . ثم اخذت منه واودعت في مكتبة فينا عام 1738 وكل العلماء الذين فحصوها ، لاحظوا ان غلافها شرقي الطراز . وان على هوامشها شروح وتعليقات باللغة العربية ويستدل من فحص الورق والحبر المستعملين في كتابتها ، انها كتبت في القرن الخامس عشر او السادس عشر .
ويقول العلامة الانكليزي الدكتور سال انه وجد نسخة من هذا الكتاب باللغة الاسبانية ، كتبها رجل اروغاني اسمه مصطفى العرندي . ويدعي هذا ، انه ترجمها عن النسخة الايطالية . وقد جاء في مقدمتها ان راهباً يدعى مارينو ، مقرباً من البابا سكستوس الخامس ، دخل ذات يوم من سنة 1585 الى مكتبة البابا ، فعثر على رسالة للقديس ايريناوس ، يندد فيها بالرسول بولس . وان هذا القديس ، اسند تنديده هذا الى انجيل برنابا . فأصبح من ذلك الحين شديد الرغبة في العثور على هذا الانجيل ، فحدث ان دخل يوماً والبابا سكستوس الخامس المكتبة البابوية . وفيما هما يتحدثان استولت على البابا سنة النوم . فاقتنص الراهب الفرصة ، وبحث عن الكتاب ، فوجده واخفاه في احدى ردنيه . ولبث الى ان استفاق البابا من النوم ، فاستأذن بالانصراف حاملاً الكتاب معه . على ان من يراجع مؤلفات القديس ايريناوس ، لا يرى فيها أي اشارة الى انجيل برنابا ، ولا أي نقد للرسول بولس .
وهناك حقيقة يستطيع كل انسان ان يدركها وهي انه مكتوب في سفر الاعمال ، ان برنابا نفسه كان رفيقاً لبولس في كرازته بالإنجيل ، في اورشليم وانطاكية وايقونية ودربة ولسترة . وكرز ايضاً بالإنجيل مع ابن اخته يوحنا مرقس في قبرص . مما يدل على ان برنابا ، كان مؤمناً بإنجيل الصليب ، الذي كرز به بولس ومرقس وسائر الرسل ، والذي يتلخص في كلمة واحدة ، وهي ان المسيح مات كفارة لخطايا العالم على الصليب ، وقام في اليوم الثالث لتبرير كل من يؤمن به ، ولما كان الكتاب منسوباً لبرنابا ينكر هذه الحقيقة ، فالبرهان واضح انه كتاب مزور.
ويميل بعض العلماء المدققين الى الاعتقاد بان كاتب انجيل برنابا هو الراهب مارينو نفسه ، بعد ان اعتنق الاسلام ، وتسمى باسم مصطفى العرندي . ويميل بعض آخر الى الاعتقاد بأن النسخة الايطالية ليست النسخة الاصلية لهذا الكتاب . بل انها منقولة عن اصل عبري ، لان مطالع انجيل برنابا المزعوم ، يرى ان للكتاب الماماً واسعاً بالقرآن . لدرجة ان الكثير من نصوصه يكاد يكون ترجمة حرفية لآيات قرآنية . وفي مقدمة اصحاب هذا الرأي ، العلامة الدكتور هوايت سنة 1784 .
نكمل المرة القادمة .....................